رسالة إلى الكاف: مرحباً بكم فى مصر.. ولكن!..

 

جلست أقرأ تحقيق رياضى فى العزيزة “أخبار اليوم” مساء السبت الماضى.. وأنا أحتسي كوب نسكافيه من الحجم الكبير يساعدني على مقاومة برد هذا الشتاء القارص.. عادة ما أبدأ يومي فى الصباح الباكر بقراءة عناوين الصحف الرئيسية والاخبار السياسية وصفحات الرأى.. ثم أعود مرة أخرى فى المساء لأواصل بقية الصفحات الخفيفة مثل الرياضة والفن.. التحقيق المتميز كان يدور حول الأزمة المثارة بين الكاف وجهاز حماية المستهلك، والقضية باختصار طبقاً للتحقيق تتلخص فى ان الكاف كان قد اسند حقوق بث بطولاته بالامر المباشر إلى شركة فرنسية حتى عام 2027، فى حين ان هناك شركة أخرى – مصرية – كانت قد تقدمت بعرض أكبر بكثير من عرض الشركة التى اختارها الكاف – ورغم ذلك تم استبعادها واسناد حقوق بث البطولات الافريقية حصرياً للشركة الاجنبية، وبدون أجراء مزايدة طبقاً لما تنص عليه القوانين المصرية التى يخضع لها الكاف بما ان مقره فى مصر، ويبدو ان الشركة المصرية قد استغلت ذلك، وتقدمت بشكوى لجهاز حماية المستهلك ومنع الممارسات الاحتكارية، وقام الاخير بدوره بالفعل وقدم بلاغ إلى النيابة التى تتولي التحقيق حالياً..

ويبدو ان الامر تسبب فى توتر العلاقة بين مصر وبين الاتحاد الافريقى برئاسة الكاميروني “عيسى حياتو”،  وطبقاً للتحقيق فان هناك تهديدات وتحركات من الكاف لنقل مقر الاتحاد الافريقى من القاهرة حيث مقره التاريخى لعاصمة افريقية أخرى، فى نفس الوقت هناك مخاوف من تربيطات انتخابية لمسئولى الكاف لاسقاط رئيس الاتحاد المصرى “هاني ابو ريده” فى انتخابات الجمعية العمومية للكاف التى ستجرى الشهر القادم، وهو ما يفقده بالتالي مقعدة فى الفيفا، وبالطبع لا يخفى على احد ان هذا عقاباً لمصر بسبب الازمة، أى ان الكاف اعلن الحرب على مصر التى أحتضنته منذ نشأته..

اندهشت للغاية لأن التحقيق عندما استطلع آراء الرياضين خاصة اعضاء مجلس النواب منهم، كانت كل الآراء فى اتجاه واحد ضد جهاز حماية المستهلك، البعض أعلن انهم بالفعل بدأوا تحركات لأحتواء الازمة لا لمطالبة الكاف باحترام القوانين المصرية، ولكن ملقين اللوم على جهاز حماية المستهلك والشركة المصرية، بل ووصل الامر باعضاء مجلس النواب إلى الاعلان بانهم تقدموا بطلبات احاطه لوزير الشباب ورئيس الوزراء حول الازمة، والعجيب ان نوابنا الافاضل المنوط بهم التشريع، وبالتالى الحفاظ على القانون المصرى لم يكلفوا انفسهم بالبحث عما إذا كان ما قام به الكاف مخالف للقانون الذين هم أولي حراسه أم لا؟!

بل انه فى نفس التحقيق طالب عضو باتحاد الكرة المصرى باعتذار رئيسه جهاز حماية المستهلك لحياتو عما لحقه من اهانه لمجرد أحالة الامر إلى النيابة، مشدداً على انه لم يكن لنا حق فى أثارة الازمة، لأن التعاقدات بين الكاف والشركة الفرنسية سليمة تماماً ولا يشوبها اى اخطاء تستدعي المحاسبة والمخالفة..

ومع تقديرى الكامل لعضو اتحاد الكرة فهو بالتأكيد خبيراً فى لوائح الكاف، ولكن لى بعض الاستفسارات لم اجد اجابة لها حتى الأن.. إذا كانت التعاقدات سليمة على حد قوله فلماذا كل هذا الخوف من استدعاء النيابة لحياتو ومسئولي الكاف؟!  أين الاهانة فى ذلك والتى تستوجب الاعتذار؟!.. لا أحد فوق القانون.. هناك رئيسان سابقان يحاكمان أمام القضاء المصرى، ولم يقل أحد ان فى ذلك اهانة.. العدالة فوق الجميع.. سؤال أخر هل القواعد الداخلية للكاف فى الشئون المالية مثل اسناد حقوق البث وغيرها تتيح له ان يرفض عرض مغرى مقدم  لشراء حقوق البث ويختار عرض أقل منه – وما فى ذلك من خسارة للكاف واعضاؤه ومصر احداهما–  بدون أبداء الاسباب أم لا؟! سؤال أخير، حتى ولو كانت التعاقدات سليمة طبقاً للوائح الكاف، هل يمكن لهذه اللوائح ان تتناقض مع القانون المصرى أم انها ملتزمة به طالما كان مقر الكاف فى القاهرة؟!..

لا أزعم أني أعرف تفاصيل القضية بالتدقيق، ولست متابعاً جيداً للأخبار الرياضية، على الرغم من عشقي للرياضة وممارستى الضرورية لها.. الا أنني أري أن الأمر ما دام قد وصل إلى النيابة فقد خرج من نطاق الرياضة إلى حيز احترام القانون المصري.. أعرف جيداً أهمية وجود الاتحاد الافريقي لكرة القدم وغيره من المنظمات الدولية والاقليمية فى مصر.. وأدرك تماماً أن ذلك يمثل ثقل لمصر، وقوة ناعمة تستخدمها الدولة المصرية فى علاقاتها الاقليمية والدولية.. ولكن احترام قانون الدولة فوق كل اعتبار أخر.. تسمو الدول بما يتمتع به مواطنوها من ثقافة وفنون وحرية وديمقراطية، والاهم احترام الجميع سواء الدولة او المواطنين لسيادة القانون، ولنا العبرة والمثل فى القصة التالية:، اثناء احتدام معارك الحرب العالمية الثانية، وفى ظل أكتساح النازي لاوروبا فى بداية الحرب، وتأزم موقف بريطانيا وحلفاءها، ووسط الغارات الالمانية المتتالية على العاصمة البريطانية لندن، رفع سكان احدى المقاطعات بالقرب من لندن دعوي قضائية تطالب الجيش البريطاني باغلاق قاعدة جوية يستخدمها بالقرب من المناطق السكنية، مما قد يسبب خطراً على سكان المناطق المحيطة إذا استهدفت الغارات الالمانية القاعدة، استمرت القضية لفترة أمام القضاء البريطاني، وأخيراً حكم القضاء بأغلاق القاعدة حماية لأرواح سكان المنطقة المحيطة، واستنفذت الحكومة البريطانية كل السبل لعرقلة التنفيذ حتى وصل الامر لرئيس الوزراء البريطاني الشهير “ونستون تشرشل”، وقتها جمع تشرشل القادة العسكريين وسألهم” هل يمكنهم الاستغناء عن هذه القاعدة” فأجابوه أن القاعدة ضروريه لخططهم العسكرية، وأن بريطانيا قد تخسر الحرب إذا تم أغلاق القاعدة، فأمر تشرشل بتنفيذ حكم القضاء بأغلاق القاعدة، وقال قولته المشهورة التى سجلها له التاريخ بأحرف من نور “فلتخسر بريطانيا العظمي الحرب، ولكن لا يذكر التاريخ أبداً انها لا تحترم احكام القضاء”!، والعجيب ان بريطانيا كسبت الحرب، ولكن الأهم من ذلك انها حافظت على اعلاء كلمة القانون..

مرحباً بالكاف ورئيسه فى مصر فى اى وقت.. مصر دائماً تفتح ابوابها لاشقائها الافارقة، لا جديد فى هذا الأمر.. ولكن احترام القانون المصرى فوق اى اعتبار.. لا احد فوق القانون.. إذا انهار ميزان العدالة انهارت الدولة ذاتها.. كان لابد ان يفهم ذلك اعضاء مجلس نوابنا الموقر.. اعرف انهم يريدون حل دبلوماسي للإزمة.. لا أعترض على ذلك.. ولكن هذا يجب ان يتم فى اطار القانون.. والقانون فقط.. سويسرا التى ذكر احد الاعضاء انها تنفق الملايين من أجل بقاء الفيفا فيها.. هى نفسها سويسرا التى لم تدعم مواطنها “جوزيف بلاتر” عندما لاحقته تهم الفساد فى الفيفا .. وتم اجبارة على الاستقالة بعد شهر واحد من اعادة انتخابه رئيساً للفيفا تفادياً للملاحقة القضائية.. ولكنهم هناك بعرفون تماما ان العبث بالقانون هو العبث بنظام الدولة ذاتها.. قبل ان يطالب احدهم بأعتذار رئيسة جهاز حماية المستهلك لحياتو، كان عليه ان يطالب الكاف ورئيسه بأن يوفقوا لوائحهم الإدارية والمالية طبقاً لما يتلائم مع القانون المصرى..

مرة اخرى مرحبا بالكاف ورئيسه فى مصر، ولكن فى ظل الالتزام بالقانون المصرى..

شاهد أيضاً

( أرمى الطبله وخليك معانا )

مصر تضيف رصيدا جديدا لدورها الفاعل فى المنطقه بعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وتظل …