هل حسن الظن اثم ؟!

الخذلان، هو حسن ظن كبير ينتهي بنفيه، ولكنه يبقى دليل طيبة رغم ما يبدو عليه من سذاجة، فإننا لا نقدم حسن الظن إلا لما في قلوبنا من خير، فكيف لقلب يملؤه الكره أو الحقد أو الطمع أو الإستعلاء والغرور أن يحسن الظن ويعتقد أن في أحدهم خيرا، لا الجمال يستطيع تذوق القبح، والقبح يمكنه تذوق الجمال.
وربما يختلف احدهم معي، فيرى في سوء الظن ذكاء وفطنة، والحقيقة أن هذا الامر يفتح مجالًا لظلم إستباقي، فهل يعقل أن يكون الظلم من الفطنة؟ ولو كان الأمر صحيح لما قال النبي “إن الظن أكذب الحديث” كما يقول الله تعالى”إن بعض الظن إثم” وإنما تفتح الآية الكريمة أبواب التساؤل، لماذا لم يحدد الله الظن السئ وآثر أن يذكر الظن كله حسنه وسيئه؟
أعتقد أن التفسير المنطقي، هو رغبة الله في تعليمنا إعمال العقل، وبالتوازي ألا ندعي من العلم ما ليس لنا، والدليل على ذلك ما تعلمناه من السنة النبوية الشريفة، بأن لا نمدح أحدهم في شئ حتى نقول أحسبه كذلك، ومن هنا فأنت تخبرنا بالشك في إعتقادك وظنك وأعترافك بنقص علمك فإن الشك في علمنا وقوانا عين الإيمان، وبالتالي التواضع للعالم الاكبر وهو الله، ولكن..
إننا جميعا مرضى بمرض فتاك، اسمه معاملة الاستنتاجات والفروض وكأنها حقيقة واقعة، ولا يخفي علي أي عقل واعي، أن هذا ضربا من ضروب غرور بني البشر، حيث يصل بنا الغرور والتمجيد الذاتي، لحد الظن المؤكد اننا عارفون، وفاهمون، ومدركون، وأذكياء، لا تخفي علينا خفية، “بنفهما وهي طايرة وقبل ما تطير كمان” ولو أسندنا تحليل الأمر للدين، لعرفنا أننا بذلك ضعيفي الإيمان حد عبادة الذات، وننسى دوما أنه “فوق كل ذي علم عليم” وأنه ليس هناك من كائن حي في هذا الكون الفسيح بكل مستوياته ومرادفاته وأضداده، من لديه العلم الكامل بأي شئ، سوى الله مالك الملك.
إن الاستنتاجات والافتراضات التي تبنيها عقولنا بناءًا على معطيات ومقدمات، لا يجب العمل بها أو الاعتماد عليها في شئ، وخاصة في ردود أفعالنا المنعكسة من هذا العلم الكاذب، فسقوط الطالب في الاختبار مثلا لا يعني بالضرورة غباؤه ونجاح آخر لا يعني بالضرورة ذكائه، فكم من الغيبيات التي نفترض علمها بسبب بعض المعطيات التي لا نرى سواها، ومن ثم نستخدمها لتكوين رؤية عن الأشياء نظنها إثما كاملة، ونتعامل معها بهذا العلم الناقص وستظل للأبد ناقصة ضعيفة موتورة فاسدة وآثمة.
اذا ربما يكون حسن الظن علامة جيدة على نقاؤك، ولكنه مبني على علم ناقص، كما هو الحال بالنسبة لسوء الظن، دع الظن جانبا، وعامل الاشياء بما تبدو عليه دون إضافة إستنتاج منك، وتذكر دائما أن تفسيرك للأمور مجرد إحتمال 50% منه ربما صحيح و50% منه ربما خطأ، وبالتالي لا تتعامل معه من خلال وجهي الاحتمال وأتخذ بين ذلك سبيلًا، واعمل بقوله “إن الظن لا يغني من الحق شيئا”.

شاهد أيضاً

( أرمى الطبله وخليك معانا )

مصر تضيف رصيدا جديدا لدورها الفاعل فى المنطقه بعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وتظل …