معاهدة سلامي

أصبحنا أصدقاء أخيرا، بعد أن توصلنا لاتفاق، بالطبع لا زلت أتزمر منه بين الحين والأخر، ولكنه لم يعد يتصدر صفحات وجهي كل صباح، لم يعد يتبعني أينما ذهبت، لم يعد ينتابني كنوبات الصرع، لم يعد له سلطان علي.
عزيزي القارئ، أود أن أعرفك بصديقي الألم، إنه ضيف إذا أردت ثقيل وإذا أردت مهذب، وأنت من يحدد ذلك، وهو زائرك لا محالة، سيأسرك، سيتبعك إلى أخر العالم، سيؤذيك ويحطمك تمامًا، كلما نكرته وتنكرت له اعتصرك، وكلما كنت صاخبا في استقباله أعياك وأضناك، إنه كائن شديد الصرامة، أما إذا تقبلته وألفته و وثقت به، صار أقل ضررًا، إنه لا يحب الضجيج والنحيب والجلبة.
أتفقت أنا وألمي على ان نراعي بعضنا البعض، بما أنه جزء لا يستهان به من حياتي، فكان من الحكمة أن نتوصل لاتفاق يكفل لنا التعايش سويًا، فكان علي ألا أتجاهله يومًا، وبالمقابل صار ضيفًا اخف ثقلًا، صرت أبتسم عند زيارته، وأرحب به بهدوء، وأقدم له مشروب.
كان اتفاقي معه، أن أطلق له كامل عناني، ثم أمتزجه بقهوتي كلما طلب، فلا أنفر منه، ولا أرفضه، بل أتجرعه في صمت ودون صخب كالدواء المر، بل أستسلم له، فأبكي حينا وأكتب حينا وأغني حينا أخر.
لذلك أنصحك عزيزي القارئ أن تسمح له بالنفاذ إلى خلاياك دون مقاومة، والسماح له بالخروج منها بعد ذلك وأنت في حالة هدوء وتأمل، ولا تفكر أبدًا أن تتعجل التخلص منه، لأنه سيستدير ببساطة ويعود قابعًا في كل شئ حولك.
ولفوائد التعاهد مع الألم عدة أوجه، أنت لا بد غافلها، فإنه بخلاف سلاسة رحيله في النهاية، سيترك لك خلال زياراته مساحات كبرى من السلام الروحي، التي ستختتم مع رحيله بسعادة كبيرة، هذا بخلاف التحول الذي ستلمسه بنفسك، عندما يُظهر لك وجهه الحقيقي، الذي لم تكن لتراه، وهو الأمل، نعم الأمل.
ستندهش من هالات الأمل التي ستنير قلبك وعقلك وروحك حتى تزهر من عينيك وصوتك، كلما تقبلت ألمك واحببته، ستندهش من ارتفاع ثقتك ويقينك، ستندهش من صبرك و تعقلك وصفاء ذهنك وسريرتك، ستندهش من انتظارك الغد الذي لم تكن تنتظره أبدًا بترحاب.
لا تتوقع عزيزي القارئ أن الأمر سهلًا، ولن يخلو من الخفقات، ستصاب بالغضب و السخط وتحدث الجلبة و تثير جنونه، فاقطع عليه ذلك بالذكر والتجاهل، ذكر الله له مفعول السحر لحماية حصونك من أن يدكها الألم ليستمر، وتذكر ان الثبات علي موقفك من ألمك يحتاج لتركيز وتأمل ويقظة، حتي يؤتي ثماره ولا يؤذيك اكثر.
والجدير بالذكر عزيزي القارئ، أنك لن تنجح في تحقيق تلك المعاهدة اوالوصول اليها، إلا بعد تجربة المنتهي، فالمنتهي من كل شئ هو بوابة المنتهي من ضده، فإنك لا تعرف معني القاع إلا إذا وصلت للقمة أولًا، ولا يمكنك أن ترى الأرض إلا إذا وصلت للسماء، ولا تعرف الجمال إلا باختبار القبح ولا تقدر الحقيقة الا بعد الاختناق بالكذب، لذلك لن تعرف السلام الا اذا اختبرت الألم، كل الألم، قمم الألم.. عزيزي القارئ اتمنى لك ألما سعيدًا.

شاهد أيضاً

( أرمى الطبله وخليك معانا )

مصر تضيف رصيدا جديدا لدورها الفاعل فى المنطقه بعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وتظل …