كن وقحًا ولا تعتذر

قد يكون العنوان صادماً، وقد يعتبر البعض انه تحريض على اساءة الادب، وهو ما يقع فيه البعض منا عندما ينظر الى العنوان او الشكل الخارجي دون استكمال الموضوع .
اعتدنا على تمجيد المتأسف، الذي يبدو وكأنه رجع عن موقفه الخاطئ أو نادمًا عليه مستخدمًا كلمة “أنا آسف”, بل اعتدنا على تحيته على شجاعاته في مواجهة نفسه والاعتراف بما أقترفه وتوبته النصوحه بالتأكيد “افتراضيا” ولكن ماذا بعد؟!
من المنطقي أن يسهل أسفك عندما تَدهس حذاء أحدهم صدفة وسط ازدحام الطريق, أو عندما تتصل طلبًا لأحدهم فتُخطئ في طلب الرقم, ولكن كيف تتأسف عندما تجرح قلبًا أو تكسر عشمًا أو تؤذي أو تظلم بريئًا؟
إن الأمران بالطبع لا يستويان..
فالأسف لا يعني أنك ندمت على فعلك إلا إذا قمت بإصلاح ما أفسدته بشكل عملي وفعل واضح أو على الأقل توقفت تماما عن تكراره.
فما أسهل أن تجرح هذا وتؤذي هذا وتعتصر قلب هذا وتقذف هذا بلسانك وتبطش بهذا ثم تعود لتوزع باقات الأسف المجانية, ثم تعود ريّما لعادتها القديمة، وتستمر علي ذلك للأبد.
ولا ينتهي الأذي ولا ينتهي الألم ولا ينتهي الخطأ وبالتالي لا ينتهي الإعتذار، إنما تخسر من صدّق آلاف الأسفات الكاذبة منك في النهاية حتمًا، وتكون الخسارة فادحة، لو كانت الضحية شخصًا عزيزًا، وكما يحمل تكرار الأخطاء حقيقة استهانتك بشريكك، فهو يعني أيضًا كذبك وإصرارك علي الاستمرار في الخطأ.
هذا بخلاف بعض أنواع الأسف التي تعتبر ضربًا من ضروب الوقاحة الفجة، فليست كل الاخطاء تصلح للمعالجة بالاعتذار، فهل يصلح أن تقتل أحدهم ثم تعود لجثته فتقول آسف؟!
إذًا فعندما يطلق “المتأسف” أسفاته المُسكنة للألم من أحد طرفي العلاقة، سواء كانت حب أو خطبة أو زواج، فإن صاحب هذا الأسف المُسكن للألم شخص لم يصدُق أبدًا في آسفه ولو أنه أظهر إصراره على خطأه بشكل معلن وواضح لكان موقفه الوقح والصريح أهون من ادعاء الأسف وهو يعلم أنه ليس كذلك حقًا، ولكان الأمر أقل إيلامًا وخسارة وأقصر وقتًا، من العيش في وهم كبير لفترة طويلة يتوقع خلالها الطرف الضحية تغييرًا وتحسنًا لن يجده أبدًا.
وكثيرًا ما تجد المُخطئ صاحب سيول الأسف الكاذبة، يتهم ضحيته بالقسوة وانعدام السماحة والغفران، وتتكرر جملة “ربنا بيسامح، وأنت مش عايز تسامح”، وبالفعل فإن الأسف أشبه بالتوبة من الذنب بعد الاعتراف به واستنكاره ورفضه فكرًا ومنهجًا, ولكن التوبة لله تكون مقترنة بعلمه الكامل, فالله يملك قلبك ويعرف ما توسوس به نفسك، ولا يخفى عليه إن كنت تائبًا وآسفًا ونادمًا حقا بإقرار الذنب مع عدم العوده له, أما نحن البشر فبالطبع لا يمكننا ذلك، إلا بما يصدر منك, إذًا فالفعل والعمل الملموس هو الدليل الحقيقي على أسفك, تأسفوا بصدق يرحمكم الله.
إذًا عزيزتي الغارقة في أكوام الأسف الكاذبة، إذا عاد الشريك إليكِ آسفًا بعد أن سامحتِه مرارًا وتكرارًا لنفس السبب، فلا تصدقيه، إلا أن يقدم لكِ ضمانًا حقيقيًا يدفعك لتصديقه، أو يُصلح ما قام بإفساده بشكل عملي وبصورة مرهقة تكون له درسًا، مع اتفاق محدد وواضح ومشروط لعواقب العودة عن تلك التوبة، فإذا رفض فأنسي أمره، وترحمي عليه.

شاهد أيضاً

( أرمى الطبله وخليك معانا )

مصر تضيف رصيدا جديدا لدورها الفاعل فى المنطقه بعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وتظل …