المخابرات فى الدول الإسلامية

المخابرات فى الدول الإسلامية

  • أول جهاز مخابرات في التاريخ نشأ فى المدينة المنورة لـتأمين الدولة
  • توافر عنصر الأمن من الخطر الخارجي أو الداخلي مطلب أساسي في كل زمان ومكان0
  • كل دولة في عصرنا الحديث ، لابد وأن يكون لها جهاز مخابرات توفر له كل متطلباته

عرض وتلخيص  / محمد المصرى : 

أصدرت دار العربى للنشر والتوزيع كتابا جديدا ومهما   بعنوان  “المخابرات فى الدولة الإسلامية” للباحث محمد هشام الشربينى، ويدور الكتاب لاول مرة  حول علم المخابرات كعلم نشأ منذ قيام الدولة الإسلامية فى المدينة المنورة وليس كما يدَّعى الغرب أنه علم حديث النشأة ،وتم انشاء اول جهاز للمخابرات يضاهي في مهامه اجهزة المخابرات الحديثة وكان له دور اساسي في تأمين الدولة الناشئة.

والكتاب يؤكد بالأدلة التاريخية والعلمية الدامغة أن دولة الإسلام فى المدينة المنورة هى أول دولة ابتكرت نظامًا لتأمين دولتها داخليًا وخارجيًا وجمع معلومات دقيقة عن العدو بطريقة تضاهى أحدث نظم المخابرات العصرية، ويتكون الكتاب من ثلاثة أبواب؛ الباب الأول بعنوان “الحياة الآمنة قبل الإسلام”، والثانى “الأمن فى الإسلام”، والثالث هو “الدرس الإلهى والدرس النبوى”.

وقد استغرق وضع هذا الكتاب قرابة الثلاثين عاماً0

 ويقول الباحث هشام الشربينى ان  الدراسات المتعمقة للجوانب المتعددة للإسلام, تكشف  أن هذا الدين الحنيف جاء مشرعاً ومقنناً لكل جوانب حياتنا الإيمانية والعملية , في كل زمان ومكان مصداقاً لقوله تعالى:

{ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ }

وها نحن نقدم دليلاً جديداً على هذه الحقيقة عندما نوضح بالأدلة القاطعة أن الإسلام قد وضع التشريع الأمثل والنظام المقنن لتوفير أهم عنصر من عناصر الحياة … ألا وهو الأمن والأمان, والذي تحاول أجهزة المخابرات الحديثة في كل دولة تحقيقه لمجتمعها0

 وهو فى البداية يقول الباحث : لنتفق أولاً علي الأهمية القصوى للنشاط الإستخباري بالنسبة لأمن وأمان أي مجتمع أو دولة , والحقيقة أن الإحساس بالأمان لتوافر الأمن هو مطلب الإنسان الأول والأساسي منذ هبوط  سيدنا أدم – عليه السلام – إلي الأرض , ثم انتشار أبناءه في أرجائها ليعمروها، ينصحنا المولى فيقول:

{فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }

فلا تستطيع أمة من الأمم أن تعيش حياتها بشكل طبيعي طالما هناك ما يهدد وجودها، لذلك فإن توافر عنصر الأمن سواء من الخطر الخارجي أو الداخلي مطلب أساسي في كل زمان ومكان0

ومن هنا فإن كل دولة في عصرنا الحديث ، لابد وأن يكون لها جهاز مخابرات توفر له كل متطلباته – بقدر استطاعتها – ليحقق أهدافه ، وفى ظل نجاح هذا الجهاز تمارس الدولة مختلف أنشطتها السياسية والاقتصادية لتصل بالشعب إلى أقصى درجات التحضر والرفاهية0

وإذا كانت بعض الدول قد مارست – عبر التاريخ- بعض الأساليب الأمنية في بعض الظروف الخاصة ، فإن العالم يدّعى انه لم يعرف وجود أجهزة أمنية متخصصة ومنظمة تمارس مهام الحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي ، إلا في القرن العشرين00 أي أن علم المخابرات هو وليد القرن العشرين 0

وتشتهر بعض أجهزة المخابرات في العالم بأسماء رمزية معروفة مثل: الموساد ( جهاز المخابرات الإسرائيلي ) & K.G.B (وكالة المخابرات الروسية) &C.I.A (المخابرات المركزية الأمريكية) & S.I.S (المخابرات البريطانية) وغيرها، وبحسب قوة هذه الأجهزة ونجاحها في عملياتها المتنوعة ، تكون شهرته0

ويشير الى  أن العمل الأمني عملاً حساساً للغاية ومحاط بكثير من الغموض والاتهامات، فتحت شعار أن كل شئ مسموح به في حال الدفاع عن النفس- أي تحقيق الأمن للنفس –  يمارس القائمون على العمل الأمني العديد من التصرفات الاستثنائية لتحقيق أهدافهم التي هي بلا شك أهداف الوطن ، كما أن نسبية مفهوم الدفاع عن النفس توسع من نطاق هذه الممارسات التي يرفضها العامة ممن يجهلون طبيعة العمل الأمني ، وهي أيضا ذريعة للمعارضين لنظام الحكم القائم ، لإدانة هذا النظام وتقليب الجماهير عليه بهدف إسقاطه ، ومن هنا يأتي التصادم والخلاف في وجهات النظر بين ما كان يجب أن يحدث من إجراءات وسلوكيات من القائمين على العمل الأمني في ظروف معينة أو أحداث بذاتها أوضد فئة ما ، وبين ما يراه العامة تمادي في الطغيان وتجاوز غير مبرر في استخدام السلطة ، يدين النظام الحاكم ، خاصة حين يستغل الطرف المعارض هذه السلوكيات – بعد أن يضخمها وربما يضيف إليها أكاذيب – في إثارة العامة تحت شعارات مغرضة وغير مستخدمة في موضعها الصحيح مثل : الحرية – حقوق الإنسان00 وغيرها من الشعارات التي لا يختلف على ظاهرها أحد ، ولكن الخلاف يكون في نسبية تفسيرها وحدودها من موقف لآخر وحسب الهدف النهائي ومدى شرعيته 0

وشرعية عمل أجهزة المخابرات ورجالها – خاصة في الدول الإسلامية – مثار جدل واسع رغم أن المعيار فيها واضح وثابت ، ألا وهو الحلال والحرام 00 ولكن ما هو الحلال وما هو الحرام في نظام يعتقد البعض أنه وليد العصور الحديثة، وكيف نحدده بدقة لتلتزم به أجهزة المخابرات الإسلامية؟

من منطلق حرص جهاز المخابرات المصري على الالتزام بهذه الحدود الشرعية في عمله ، وجه القائمون على الجهاز الدعوة في ثمانينات القرن الماضي ، للداعية الإسلامي الأشهر آنذاك ، فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوى (رحمه الله) لإلقاء محاضرة على رجال الجهاز وكان عنوان المحاضرة المتفق عليه “شرعية عمل رجال المخابرات” وذلك لكي يوضح لهم الحدود الشرعية لعملهم المتهم دائماً ، ولكن الشيخ الجليل استغرق المحاضرة في الحديث عن المفاهيم الإيمانية العامة وكيف نخشى الله في أي عمل نقوم به، وذراً للرماد في العيون، تحدث في الدقائق الأخيرة عن موضوع المحاضرة ولكن من منطلق من يجهل تماماً طبيعة هذا العمل الحيوي الهام ، وضرب مثالين أمنيين من التاريخ الإسلامي في زمن دولة رسول الله (صلى الله عليه وسلم )في المدينة المنورة، وهما من غزوة الأحزاب (الخندق) أصعب الغزوات التي خاضها المسلمون الأُول 00 واقعة نُعَيم بن مسعود حين أوقع بين اليهود والمشركين لإنقاذ المسلمين 00 وتجاهل الشيخ أن نعيماً قد كذب- بموافقة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليحقق هدفه00 أي أنه أرتكب فعلاً محرماً 0

ومن نفس الغزوة ذكر واقعة تجسس حذيفة بن اليمان على معسكر المشركين بأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعد واقعة نعيم ومع هبوب الرياح العاصفة على معسكر المشركين 00 ترك الشيخ تجسس حذيفة- وهو الأمر المحرم – وركز على أن حذيفة كانت لديه الفرصة أثناء تجسسه لأن يقتل أبا سفيان بن حرب وهو رأس الشرك المدبرة، ولكنه لم يفعل لأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمره ألا يفعل شئ أخر غير مهمته إلا بعد الرجوع للقيادة0

نسى الشيخ الجليل أن هناك فارق بين القيادة الموجهة من السماء والقيادة البشرية، وأن من ينفذ مهمة أمنية لابد أن تكون له مساحة من حرية التصرف وتعديل الخطة بحسب مجريات الأمور وتطوراتها وتحولاتها بل ومفاجآتها، وقد حدث ذلك حتى مع القيادة الموجهة من الله، وذلك عندما انسحب خالد بن الوليد بجيش المسلمين في سرية مؤتة لأن جيش المسلمين كان مكلفاً بمهمة محددة ضد قبيلة معينة ولكنه فوجئ بجيش الروم في مواجهته فقاتله يوماً حتى استشهد قواده الثلاثة الذين عينهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالتناوب واتفق المسلمون على تولى خالد القيادة- وكان حديث عهد بالإسلام – فقرر الانسحاب الآمن حفاظاً على سلامة جيش المسلمين من مواجهة غير متكافئة0 وبحمية المسلمين في المدينة واعتزازهم بدينهم وثقتهم في نصر الله لهم، هاجموا خالد حين عاد للمدينة ووصفوه بالتخاذل وضعف الإيمان ، بل ولاموا أفراد الجيش لأنهم طاوعوه ، ولكن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أشاد بتصرفه بل وأسماه سيف الله المسلول00 فسكت عنه المسلمون0 لم يدرك المسلمون أن الحماس وقوة الإيمان والثقة في نصر الله ، لها حدود واشتراطات بل واحتياطات ، وأن هناك خيط دقيق بين الشجاعة وبين التهور وإيراد النفس مواضع التهلكة ، وهو مانهانا عنه الله وإلا لما شَرَّع الله صلاة الخوف في المواجهات الحربية ، ولكان المنطق لماذا نخاف والله معنا؟ ولكن الله يعلمنا أن السلامة والأمن هما السبيل للنصر 0

واستمراراً في التعليق على محاضرة الشيخ الشعراوى نؤكد أن السنوات العشر الأولى من عمر دولة المدينة، وحتى وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قد شهدت عمليات أمنية مذهلة سواء على مستوى الأمن الداخلي أو الخارجي، عمليات تصل لمستوى الإعدام الجماعي بل والاغتيالات والتصفية للأعداء 00 ومن يدرس هذه العمليات بدقة يدرك أنه لا يمكن أن يقوم بها إلا جهاز مخابرات منظم ، فقد مارس كل ما تمارسه أجهزة المخابرات الحديثة من مهام بدون فرق إلا تطور وقوة الأجهزة الفنية المستخدمة في العمل حديثاً من أجهزة اتصال واستقبال 00 وهذا الفارق هو لصالح مخابرات دولة المدينة التي نفذت عملياتها ببراعة كبيرة حققت الهدف منها ولم تعُقها الوسائل البدائية والتي اقتصرت على الاتصال الشخصى0

لقد حفزني موقف الشيخ الشعرواى على البحث في أمر شرعية عمل أجهزة المخابرات ورجالها، حتى وصلت إلى هذه النتيجة ، والتي تضيف سبقاً جديداً للإسلام في مجال حديث وحيوي للغاية ، وهى أن دولة الإسلام في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المدينة المنورة ، شهدت إنشاء أول جهاز مخابرات في التاريخ قام بنفس المهام التي تقوم بها أجهزة المخابرات الحديثة 00 ولكن بأسلوب يشرعه الله ويرضى عنه فيدعمه وينصره، كما وعد عز وجل في قوله تعالى

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }

وفي قوله أيضا

{وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

 واخيرا يقول الباحث هشام الشربينى  ان هذا الكتاب يحل محل محاضرة الشيخ الشعرواى فيوضح الحدود المشروعة لعمل أجهزة المخابرات ، ويقدم الكتاب لهذا الأمر بشرح نظرية الأمن الالهى منذ خلق الله الأرض ومن عليها ، لنوضح الفارق بين مقتضيات ومتطلبات الأمن قبل الإسلام وبينها بعد نزول الإسلام ، درساً يقدمه ديننا الحنيف في فنون وأصول العمل الاستخباراتى المشروع من واقع القرآن والسنة لنؤكد قول المولى عز وجل

“ما فرطنا في الكتاب من شئ”

الباحث/ محمد هشام الشربينى
13479846_10153806734489426_187706997_n
غلاف الكتاب

شاهد أيضاً

الرئيس السيسى ونظيره التونسى يبحثان جهود استغلال الهدنة لوقف دائم لإطلاق النار

تلقى السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً من الرئيس التونسي قيس سعيد، تناول العلاقات …