أمة فى خطر!

بقلم : وليد فائق/

“الكتاب سلعة يجب ان تحقق أرباح”.. كان هذا هو رد صديقى “المثقف” عندما شكوت له الارتفاع الرهيب فى اسعار الكتب فى معرض الكتاب، وعندما رأى الدهشة قد اعتلت وجهي أضاف موضحاً أن الناشر من حقه أن يحقق مكاسب، خاصة أن تكلفة الطباعة واسعار الورق قد ارتفعت بشدة مع تعويم الجنية والارتفاع الرهيب فى اسعار الدولار، الذى ترتب عليه زيادة كبيرة فى تكلفة الكتاب..
ثم تساءل صديقى متعجباً “إذا كانت اسعار كل السلع فى مصر قد تضاعفت خلال الشهرين الماضيين فقط.. فلماذا الاعتراض على ارتفاع اسعار الكتاب؟!”..
أصبت بالصدمة ليس فقط لأنى أعرف أن صديقى – مثلي تماماً – من الممكن ان يتخلي عن اى سلعة قد يراها الكثيرين اساسية، فى مقابل شراء كتاب يغذى عقلة بالمعرفة ويشبع هواية القراءة لديه، ولكن ايضاً لانني طوال حياتي –كنت ولازلت – اعتقد ان الكتاب ليس فقط غذاء للعقل كما يتشدق المفكرين والمثقفين، ولكن لاني متأكد ان حل كل مشاكلنا فى القراءة والمعرفة، ولاني أؤمن ان أمة لا تقرأ.. هي أمة ميته، لا تعرف ماضيها وليس لها مستقبل..
ثم ان ما شاهدته فى معرض الكتاب هذا العام كان شيء يفوق الخيال، من البديهي أن رواد المعرض من المهتمين بالكتاب، وبالتالى لديهم الخبرة ليس فقط فى نوعيات الكتب، ولكن ايضاً فى اسعارها، اقلهم خبرة يسأل قبل المعرض بفترة عن اسعار الكتب التى يريد اقتناؤها، وينتظر المعرض لشراءها للتمتع بالخصم المعتاد اثناء فترة المعرض، ولكني فوجئت ان معظم دور النشر – ولا فرق هذه المرة بين دور نشر كبيرة او صغيرة – قامت بزيادة الاسعار اثناء المعرض عما كانت عليه قبلها، وبالطبع بعد نسبة الخصم الوهمية التى تستخدم فقط للدعاية عادت الاسعار إلى ما كانت عليه قبل المعرض إن لم تكن قد زادت، اى ان الخصم غير موجود من الاساس..
هل هذا هو معرض للكتاب ام انه معرض للسلع الصينيه؟!، أفهم انه يمكن لتاجر ملابس ان يقوم بهذه الخدعة قبل الاوكازيون السنوي، ولكنى لم اكن اتخيل ابداً ان تقوم دور نشر محترمة بهذه الخدعة التى اقل ما توصف بها انها خدعة غير شريفة لا يمكن ان ترتبط بأي حال من الاحوال لا بالكتاب ولا بصانعية أوناشريه، فمنظومة القراءة فى اى بلد هى التى تشكل وعي المجتمع، وما احوجنا الان إلى القراءة والمعرفة..
مثال اخر لما قابلته فى معرض هذا العام، فقد وجدت بعض الكتب التى تختلف اسعارها من دار نشر لأخرى لنفس الكتاب، فى البداية اندهشت وارجعته لنسبة الخصم، ولكن عندما وجدت ان الفرق كبير جداً وقد يصل فى بعض الاحيان إلى 40 جنيهاً كاملة، كان لابد من الاستفسار فكانت الاجابة انه ربما يعود السبب لان هذه الكتب مستوردة من الخارج، وان الاختلاف ناتج عن اختلاف سعر الترجمة التى تعاقدت عليها كل دار نشر، وهو ما جعل الشك يدخل نفسى من وجود ترجمات غير اصلية لهذه الكتب..
ارتفاع مبالغ فيه فى الاسعار.. خصومات وهمية.. اسعار متفاوته من دور نشر لاخرى لنفس الكتاب.. هل هذا معرض القاهرة الدولي للكتاب الذى هو وبحق احد اهم معارض الكتاب على مستوى العالم ، وعرس للثقافة والمعرفة فى مصر والمنطقة؟!..
يجب ان تدخل الدولة فيما يحدث.. يجب دعم صناعة الكتاب فى مصر.. لا تقل لى ان الدولة مشغولة بالاعباء الأهم.. بدون كتاب لن تستطيع الانتصار فى معركة الارهاب.. أمة لا تقرأ من السهل خداعها واختراقها..يجب البحث عن وسائل عاجلة لوصول الكتاب للمواطن البسيط بأقل الاسعار.. الكتاب ليس أقل أهمية من الطعام أو الامن.. أن لم يكن أكثر أهمية ونحن نخوض معركة أفكار مع صقور الارهاب وطيور الظلام..
كل مشاكلنا ونكساتنا طوال تاريخنا كانت بسبب ان النسبة العظمي منا لا تقرأ.. بالعلم والمعرفة والقراءة تتقدم الأمم.. هذا هو السبب الرئيسى لتقدم الغرب.. أذهب إلى شرم الشيخ أو الغردقة أو غيرها من الاماكن الساحرة فى مصر والتى يرتادها الاجانب، ستجد ان السائح الاجنبي فى يده كتاب حتى وهو يأخذ حمام شمس على الشاطئ.. كنا نتندر ونحن فى اجازتنا فى هذه الاماكن السياحية ان الاجانب يبدأون يومهم بممارسة الرياضة ثم الذهاب لمكتبة الفندق لشراء الجرائد والكتب الاجنبية ويذهبون للشاطئ لقراءتها، ونحن نبدأ يومنا بالذهاب لمطعم الفندق، بالطبع اضف اليها الان الدردشة الفارغة على الفيس بوك.. اصبح معظمنا للاسف عقول جوفاء تعبث فيها طيور الظلام، وكيف نملأها وهذه هى اسعار الكتب؟!!!..
بلد الحكيم والعقاد وطه حسين ونجيب محفوظ يستحق الكتاب فيها معاملة أفضل..
صناعة الكتاب فى خطر.. ومرة أخرى أمة لا تقرأ.. هى فى الحقيقة أمة فى خطر .. أمة فقدت بوصلتها.. فلا هى تعرف ماضيها وليس لها بالتأكيد مستقبل..

شاهد أيضاً

( أرمى الطبله وخليك معانا )

مصر تضيف رصيدا جديدا لدورها الفاعل فى المنطقه بعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وتظل …