محددات السياسات المصرية تجاه القضية الفلسطينية

على مدار عقود ومنذ عام 1948 ظلت القضية الفلسطينية قضية العرب الأولي، احتلت مساحة كبيرة من الاهتمام المصري، تغيرت الأزمنة والظروف الداخلية والخارجية والنظم والسياسات ولكن ظل ارتباط مصر بالقضية الفلسطينية ثابتا وكبيرا.

ارتباط دائم تمليه اعتبارات الأمن القومي المصري وروابط الجغرافيا والتاريخ والدم، لذلك لم يكن الموقف المصري من القضية الفلسطينية في أي مرحلة يخضع لحسابات المصالح أو ورقة لمساومات إقليمية أو دولية.

وعلى مدى عقود سعت مصر لدفع عملية السلام وحل القضية القضية الفلسطينية، واتخذت السلام طريقا استراتيجيا للحفاظ على مقدرات وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، في إطار مبدأ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس، ووفقا للمبادرة العربية للسلام لعام 2002، ومقررات الشرعية الدولية بهذا الشأن.

وظل الموقف المصري بمواصلة المساعي الدءوبة لدعم حل الدولتين، وإقامة دولة الفلسطينية والتوصل لتسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية ثوابت لا تتغير ولا تتأثر.

– “وعد بلفور” .. وجذور القضية الفلسطينية

في الثاني من نوفمبر عام 1917 صدر “وعد بلفور” الذي منحت بموجبه بريطانيا حقا لليهود في تأسيس وطن قومي لهم في فلسطين، بناء على المقولة المزيفة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.

بهذا الوعد تحققت العبارة الشهيرة “لقد أعطى من لا يملك وعدا لمن لا يستحق” وكان هذا الوعد بمثابة الخطوة الفعلية الأولى للغرب على طريق إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين استجابة لرغبات الصهيونية العالمية على حساب شعب وفي أرض متجذر فيها منذ آلاف السنين.

وتمكن اليهود من استغلال هذا الوعد المشئوم ومن ثم صك الانتداب، وقرار الجمعية العامة الصادر عام 1947 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين منفصلتين، إحداهما يهودية والثانية عربية على أن تصبح القدس مدينة دولية، ليحققوا حلمهم بإقامة دولة إسرائيل.

وفي عام 1948 غادر البريطانيون الذين كانوا يحكمون المنطقة فأعلن الزعماء اليهود تأسيس دولة إسرائيل في الخامس عشر من مايو عام 1948.

على إثر ذلك اندلعت حرب فلسطين بمشاركة قوات من الدول العربية وبعد انتهاء القتال بهدنة في العام التالي، كانت إسرائيل قد سيطرت على معظم المنطقة ونزح مئات الآلاف من الفلسطينيين أو أجبروا على ترك منازلهم فيما عرف بـ”النكبة”.

وبعد نكسة يونيو عام 1967 احتلت إسرائيل القدس الشرقية والضفة الغربية فضلا عن معظم مرتفعات الجولان السورية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية.

– نص الوعد المشئوم

عزيزي اللورد روتشيلد

يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي، الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:

إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهوما بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى.

وسأكون ممتنا إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علما بهذا التصريح.

– موقف الصهيونية العالمية

اتخذت الحركة الصهيونية العالمية وقادتها من هذا الوعد مستندا قانونيا لتدعم به مطالبها المتمثلة في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وتحقيقا لحلم اليهود بالحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي لهم، يجمع شتاتهم بما ينسجم وتوجهات الحركة الصهيونية التي ظلت تكافح من أجل إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين.

وتمكن اليهود من استغلال “وعد بلفور” ومن ثم صك الانتداب، وقرار الجمعية العامة عام 1947 القاضي بتقسيم فلسطين، ليحققوا حلمهم بإقامة إسرائيل في الخامس عشر من مايو عام 1948، وليحظى هذا الكيان بعضوية الأمم المتحدة بضغط الدول الكبرى، ولتصبح إسرائيل أول دولة في تاريخ النظام السياسي العالمي التي تنشأ على أرض الغير، وتلقى مساندة دولية جعلتها تغطرس في المنطقة، وتتوسع وتبتلع المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، وتبطش بمن تبقى من الشعب الفلسطيني على أرضه دون رحمة.

– ردود أفعال

كانت الحكومة البريطانية قد عرضت نص تصريح بلفور على الرئيس الأمريكي ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره، ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميا عام 1918 ثم تبعها الرئيس الأمريكي ولسون رسميا وعلنيا عام 1919 وكذلك اليابان.

وفي 1920 وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر “سان ريمو” على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب، وفي عام 1922وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 سبتمبر عام 1923 وبذلك يمكن القول إن وعد بلفور كان وعدا غربيا وليس بريطانيا فحسب.

في المقابل تنوعت ردود أفعال العرب تجاه التصريح بين الدهشة والاستنكار والغضب، أما الشعب الفلسطيني فلم يستسلم للوعود والقرارات البريطانية والوقائع العملية التي بدأت تفرضها على الأرض الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة بل خاض ثورات متلاحقة، كان أولها ثورة البراق عام 1929 ثم تلتها ثورة 1936.

وبهدف امتصاص حالة السخط والغضب التي قابل العرب بها وعد بلفور أرسلت بريطانيا رسالة إلى الشريف حسين تؤكد فيها أنها لن تسمح بالاستيطان اليهودي في فلسطين إلا بقدر ما يتفق مع مصلحة السكان العرب من الناحيتين الاقتصادية والسياسية.

ولكنها في الوقت نفسه أصدرت أوامرها إلى الإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في فلسطين، بأن تطيع أوامر اللجنة اليهودية التي وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت برئاسة حاييم وايزمن (خليفة هرتزل) كما عملت على تحويل قوافل المهاجرين اليهود القادمين من روسيا وأوروبا الشرقية إلى فلسطين، ووفرت الحماية والمساعدة اللازمة لهم.

وما زالت الجريمة التي كان ضحيتها الشعب الفلسطيني ماثلة أمام العالم، ولم تزل آثارها ترهق كاهل الشعب الفلسطيني الذي تستمر معاناته بسبب هذا الوعد فالنكبة شردتهم من ديارهم عام 1948 ودمرت بيوتهم عام 1967 ولا زال القتل والتدمير وكل أشكال الانتهاكات مستمرة حتى اللحظة بهدف شطب القضية الفلسطينية وتصفيتها

– الموقف المصري ومسارين أساسيين

الاهتمام المصري الدائم بالملف الفلسطيني على كافة المستويات تم التأكيد عليه بشكل مستمر طوال مراحل الصراع الفلسطيني / الإسرائيلي.

وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في مناسبات عدة استمرار مصر في جهودها الدؤوبة تجاه القضية الفلسطينية لكونها من ثوابت السياسة المصرية، ومواصلة بذل الجهود لاستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة.

وقد تضمن التأكيد المصري المستمر على أهمية إبراز المسارين الأساسيين اللذين يلخصان الموقف المصري من القضية الفلسطينية، الأول أهمية توحيد الجهود العربية والدولية لإعادة تنشيط مسار السلام في فلسطين على أساس حل الدولتين، والمسار الثاني يتضمن التحرك بشكل أكبر لإنهاء حالة الانقسام التي يعاني منها الكيان الفلسطيني، وتحريك مسار المصالحة الوطنية وبناء قواعد الثقة بين الأطراف الفلسطينية.

– مسار السلام و”حل الدولتين”

فيما يتعلق بمسار السلام وإيجاد حلول سلمية للقضية الفلسطينية، دعمت مصر كافة المؤتمرات والمبادرات السلمية في هذا الصدد، ولا تزال تتحرك في هذا الصدد على قاعدة إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، ضمن مسار “حل الدولتين”.

لذا كانت مواقفها المعلنة تؤكد دعمها الثابت والكامل للقضية الفلسطينية العادلة وللقيادة الفلسطينية الشرعية، وإصرارها على إحلال السلام والتوصل إلى تسوية تعيد للشعب الفلسطيني كامل حقوقه المشروعة من خلال إقامة دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس.

وتتحرك مصر دائما وهي تواجه بشكل شبه دوري تداعيات جولات التصعيد المتكررة من جانب الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة، والتي تطورت خلال الأشهر الأخيرة لتشمل عدة مناطق في الضفة الغربية.

لكن كانت جولات التصعيد ضد قطاع غزة دوما هي الأكبر والأكثر صعوبة وهنا يتجلى بشكل واضح حجم وأهمية الدور المصري في مثل هذه المناسبات، ومن أقرب الأمثلة على ذلك، جولة التصعيد الحالية التي يشهدها قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي وهي الأعنف منذ أعوام.

المسار المصري في مثل هذه المناسبات يتضمن السير في عدة مستويات مختلفة أبرزها وأهمها وقف العمليات العسكرية وفرض هدنة لدواعي إنسانية، ثم الانتقال بعد ذلك إلى وقف طويل الأمد لإطلاق النار سيرتبط بطبيعة الحال بشروط ومطالب متعددة من كلا الطرفين، وهو ما يحتاج إلى وسيط نزيه يتمتع بثقة الجانب الفلسطيني، ويرتبط في نفس الوقت بعلاقات مع الجانب الإسرائيلي تسمح له بممارسة مهام الوساطة.

ولا تكتفي مصر فقط بالعمل على إيقاف التصعيد والقتال فمهام الإغاثة وإعادة الإعمار تظل جزءا أصيلا من هذا الجهد، وبجانب القوافل المتعددة من المساعدات المصرية التي تمر بشكل دوري عبر معبر رفح.

– مصر والانقسام الفلسطيني

لم يكن الاهتمام المصري بالقضية الفلسطينية على مدى عقود طويلة ثابتا فقط بل ازداد الاهتمام مع تعقيد الموقف إثر الخلاف الفلسطيني – الفلسطيني بين مختلف الفصائل.

مسار المصالحة الوطنية كان من أولويات مصر في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث تولت مصر منذ نوفمبر 2002 رعاية الحوار الفلسطيني – الفلسطيني، عبر جولات متكررة استهدفت تحقيق الوفاق الفلسطيني، لكن أدت الأحداث التي شهدها قطاع غزة في يونيو 2007 إلى تكريس حالة الانقسام والخلاف بين قطاع غزة والضفة الغربية، ودخل ملف المصالحة الفلسطينية في جمود شبه كامل خلال السنوات التالية، إلى أن اعادت القاهرة تفعيل هذا المسار في أبريل 2011 عبر استضافتها اجتماعا ضم ممثلين عن حركة فتح وحماس،تم خلاله الاتفاق على بنود وثيقة للوفاق الوطني تم بحث آليات تنفيذها في ديسمبر 2011، خلال اجتماع استضافته القاهرة أيضا للفصائل الفلسطينية.

وإدراكا من القاهرة أن توحيد الرؤى الفلسطينية هو المسار الوحيد الذي من خلاله يمكن إيجاد حلول دائمة للقضية الفلسطينية تكللت الجهود المصرية بالنجاح في أكتوبر 2017، عبر رعايتها اتفاقا تاريخيا للمصالحة الفلسطينية، وقعته حركتا التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” والمقاومة الإسلامية “حماس”، تم بموجبه الاتفاق على توحيد المؤسسات الحكومية وتمكين الحكومة الفلسطينية من ممارسة مهامها والقيام بمسؤولياتها كاملة في إدارة شؤون قطاع غزة كما في الضفة الغربية.

لكن تضارب الرؤي الفلسطينية جعل مسار المصالحة يتباطأ مرة أخرى خلال السنوات اللاحقة، لذا حرصت مصر على التواصل المشترك بين الفصائل الفلسطينية، فقامت برعاية نحو 20 اجتماعا منذ 2017، استهدفت توحيد الصف الفلسطينى، كان من أهمها جلسات الحوار الوطني الفلسطيني التي استضافتها القاهرة في فبراير 2021 وشارك فيها 14 فصيلا فلسطينيا هم من سبق لهم التوقيع على اتفاق المصالحة فى القاهرة عام 2011، وتناولت المباحثات في هذه الجلسات الاتفاقيات والتفاهمات الثنائية التى تمت حول إجراء الانتخابات الفلسطينية.

ويبقى الاجتماع الأهم -بالنظر إلى التحديات التي شهدها الملف الفلسطيني على المستويين الميداني والسياسي خلال العامين الماضيين- هو الاجتماع الذي استضافته مدينة العلمين في يوليو الماضي، ليس فقط من أجل دفع مسار التواصل والتعاون والحوار بين هذه الفصائل، بل أيضا لمواجهة تصاعد السياسات الإسرائيلية القمعية ضد الشعب الفلسطيني، والمتمثلة بالاقتحامات والعمليات العسكرية المتكررة وتسارع النشاطات الاستيطانية.

وقد استهدفت مصر من خلال رعاية الحوار الفلسطيني – الفلسطيني تحقيق عدة أهداف منها:

* ضرورة وضع برنامج سياسي موحد بين كل الفصائل ركيزته الأساسية تخويل السلطة الفلسطينية إجراء مفاوضات مع إسرائيل في القضايا المصيرية.

* عدم قيام أي فصيل من الفصائل أو السلطة الفلسطينية بالخروج عن البرنامج السياسي الموحد أو الانفراد باتخاذ القرار.

* تدعيم السلطة الفلسطينية وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.

وحرصت مصر على إبلاغ الفصائل الفلسطينية منذ بداية الحوار بأنها لا تشكل بديلا عن السلطة الفلسطينية، وأن عليها جميعا التفكير في المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وتوحيد رؤيتها مما يدفع الأطراف الدولية إلى معاودة الاهتمام بعملية السلام في الشرق الأوسط بعد أن أصبحت هذه الأطراف على اقتناع بأن ما يجرى في الأراضي الفلسطينية قد أضر بالقضية الفلسطينية.

كما لم تتخلى مصر عن نصرة القدس والمسجد الأقصى، ولم تتردد في تقديم كل الدعم والمساندة من خلال دورها الإقليمي والدولي، معتبرة فلسطين جزء لا يتجزأ من أمنها القومي، بل إنها لم تتوقف عن مخاطبة العالم بأن ما يحدث ما هو إلا نتاج جمود عملية السلام، وليس هناك من دليل على ذلك أقوى من تأكيد الرئيس عبدالفتاح السيسي دائما، أن “القضية الفلسطينية على رأس الأولويات المصرية”، وتشديده على ضرورة التوصل إلى حل نهائي بإقامة دولتين بما يسمح بالحفاظ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإحلال السلام والاستقرار في المنطقة.

– ارتباط مصر بالقضية الفلسطينية

لم تتأثر علاقة وارتباط مصر بالقضية الفلسطينية باختلاف القيادة السياسية، بل كلما تأزمت الأوضاع ازدادت قوة الترابط، فقد أعلن الملك فاروق عن مشاركة الجيش المصري في حرب 1948 للإسهام في إنقاذ فلسطين.

بينما كان الرئيس جمال عبد الناصر يعتبر القضية الفلسطينية جزءا من الأمن القومي المصري، وأيضاً في ظل قيادة الرئيس السادات بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد بعد تحقيق نصر أكتوبر العظيم، فكان اهتمام مصر منصبا نحو تحقيق السلام مع المطالبة بحصول الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه.

وعلى نفس النهج كان الرئيس الأسبق مبارك والذي شهدت فترة حكمه تطورات عديدة وحادة، وقفت فيها مصر لتحقيق الاستقرار في هذه المنطقة الملتهبة من حدود مصر الشرقية.

ومنذ عام 2011، عكفت الدولة المصرية على إتمام المصالحة الفلسطينية الفلسطينية، بين حركتي حماس وفتح، وتم فتح معبر رفح وفقا لترتيبات أمنية جديدة بالتنسيق مع الحركتين تجنبا لاتهام مصر بتعزيز الانقسام وجاء الإعلان عن هذه الترتيبات الجديدة لإدارة معبر رفح عقب توقيع اتفاق المصالحة في نهاية أبريل عام 2014.

ومع تولي الرئيس السيسي للحكم في يونيو 2014، ظلت القضية الفلسطينية قضية محورية ومركزية لمصر، فبذلت مصر العديد من الجهود لوقف إطلاق النار لتجنب المزيد من العنف وحقن دماء المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني، فضلا عن الجهود الإنسانية التي قدمتها مصر من خلال فتح معبر رفح لاستقبال الجرحى والمصابين الفلسطينيين والمساعدات الغذائية والدوائية للشعب الفلسطيني.

– ماقبل ثورة يوليو 1952

قبل ثورة 23 يوليو عام 1952 كان ما يجرى في فلسطين موضع إهتمام الحركة الوطنية المصرية، وكانت مصر طرفا أساسيا في الأحداث التي سبقت حرب عام 1948، ثم في الحرب ذاتها كان الجيش المصري في مقدمة الجيوش العربية التي شاركت فيها ثم كانت الهزيمة في فلسطين أحد أسباب تفجر ثورة 23 يوليو 1952 بقيادة الضباط الأحرار.

وفي 28 مايو 1946 اجتمع ملوك ورؤساء وممثلو 7 دول عربية في “أنشاص” للتباحث في قضية فلسطين ومواجهة هجرة اليهود للأراضي الفلسطينية وفقا لميثاق جامعة الدول العربية والذى ينص على وجوب الدفاع عن الدول العربية فى حال وقوع اعتداء.

وقررت قمة “أنشاص” الدعوة إلى وقف الهجرة اليهودية وقفا تاما، ومنع تسرب الأراضي العربية إلى أيدي الإسرائيليين، والعمل على تحقيق استقلال فلسطين، واعتبار أي سياسة عدوانية موجهة ضد فلسطين، تأخذ بها حكومتا أمريكا وبريطانيا، هي سياسة عدوانية تجاه كل دول الجامعة العربية، بالإضافة إلى الدفاع عن كيان فلسطين في حالة الاعتداء عليه ومساعدة عرب فلسطين بالمال وبكل الوسائل الممكنة.

وفي ليلة 15 مايو عام 1948 بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، قامت القوات الإسرائيلية بقتل الفلسطينيين وتشريد أهلها وارتكاب الكثير من المذابح بحق الشعب الفلسطيني، فكان لا بد من أن يكون لمصر موقف إزاء ما يجري على أرض فلسطين وبحق شعبها، فقررت القيادة المصرية دخول الحرب ضد القوات الإسرائيلية لنصرة الشعب الفلسطيني.

وبهذا بدأت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى وفي بداية المعارك حقق الجيش المصري انتصارات كثيرة، واسترد بعض المناطق التي كانت تحتلها القوات الإسرائيلية، و لكن مع استمرار القتال تدخل مجلس الأمن و دعا لهدنة بين الأطراف المتحاربة ولم تلتزم إسرائيل بالهدنة لأنها تريد الاحتفاظ بالأرض.

وبعد انتهاء القتال بالهدنة كانت إسرائيل قد سيطرت على معظم المنطقة وبدأت بفرض سياسة الأمر الواقع عن طريق رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين.

– عبدالناصر و “اللاءات الثلاث”

في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أيضا كانت القضية الفلسطينية في مقدمة الاهتمامات المصرية وظلت قضية فلسطين الهم الأكبر للرئيس جمال عبدالناصر.

وعرف عن عبدالناصر وقوفه بثبات وصلابة إلى جانب الثورة الفلسطينية المسلحة وتصديه بعزم وإصرار لخصومها الداخليين وأعدائها الخارجيين فدعم المقاومة الفلسطينية.

وكانت الدعوة لعقد مؤتمر الخرطوم الذي رفع فيه شعار “لا اعتراف .. لا صلح .. لا تفاوض” مع إسرائيل والذي سمى بمؤتمر “اللاءات الثلاث”، كما كان لمصر بقيادة عبد الناصر دور كبير في توحيد الصف الفلسطيني من خلال اقتراح إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية كهيئة تعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني وتتولى أمر السعى لاسترداد كافة حقوقه.

كما ساندت مصر في القمة العربية الثانية التي عقدت في الإسكندرية يوم الخامس من سبتمبر 1964 قرار المنظمة بإنشاء جيش للتحرير الفلسطيني، وفي عام 1969 أشرف عبد الناصر على توقيع اتفاقية “القاهرة” تدعيما للثورة الفلسطينية، واستمر دفاعه عن القضية الى أن توفى عام 1970.

– السادات وإرساء جذور السلام

في عهد الرئيس الراحل أنور السادات خاضت مصر حرب أكتوبر عام 1973 والتي توجت بالنصر فرفع شعار النصر والسلام وكان “بطل الحرب والسلام”.

وكانت حرب 1973 هي الخطوة الأولى لاستعادة الحق وإرساء السلام، إذ هيأت هذه الحرب الأساس لصالح إبرام سلام شامل وعادل للمنطقة، وخلال القمة العربية السادسة التي عقدت في نوفمبر 1973 بالجزائر، تم إقرار شرط للسلام مع إسرائيل، وهو انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وفي مقدمتها القدس وساعدت مصر بقوة جهود منظمة التحرير الفلسطينية، حتى تمكنت من الحصول على اعتراف كامل من الدول العربية بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

وخلال القمة العربية التي عقدت في أكتوبر 1974 في الرباط، اتفقت مصر وكافة الدول العربية على تأكيد حق الشعب الفلسطيني في إقامة السلطة الوطنية المستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، مع تأكيد الالتزام باستعادة كامل الأراضي العربية المحتلة في عدوان يونيو 1967، وعدم القبول بأي وضع من شأنه المساس بالسيادة العربية على مدينه القدس.

وفي نوفمبر نتيجة للجهود المصرية أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار رقم 3236 على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بما في ذلك حق تقرير المصير وحق الاستقلال وحق العودة.

وبناء على طلب تقدمت به مصر عام 1975، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر عام 1975 قرارها رقم 3375 بدعوة منظمة التحرير الفلسطينية للاشتراك في جميع المؤتمرات المتعلقة بالشرق الأوسط.

وفي سبتمبر 1976 تمت الموافقة بإجماع الأصوات على اقتراح تقدمت به مصر بمنح منظمة التحرير الفلسطينية العضوية الكاملة في جامعة الدول العربية، وبذلك أصبح للمنظمة الحق في المشاركة في المناقشات وفي صياغة واتخاذ القرارات المتعلقة بالأمة العربية بعد أن كان دورها يقتصر على الاشتراك في المناقشات حول القضية الفلسطينية فقط.

ثم جاء خطاب الرئيس الراحل أنور السادات الشهير في الكنيست الإسرائيلي في نوفمبر عام 1977 كخطوة استراتيجية نابعة من مسار استراتيجي يدل على سعي مصر إلى إرساء السلام القائم على العدالة وليس احتلال ارض الغير، وأن مصر لن تتراجع في الدفاع عن الحقوق العربية المشروعة فقد أكد “السادات” أمام الكنيست الإسرائيلي مصداقية التوجه المصري نحو السلام الشامل ووقف نزيف الدم، وتحقيق الأمال المشروعة للشعب المصري والشعب الفلسطيني والشعب الإسرائيلي والأمة العربية وتحدث بقوة عن الحقوق العربية والفلسطينية العادلة والمشروعة، وطرح خطة مفصلة لتسوية النزاع في المنطقة شكلت مرتكزا ثابتا لتحرك الدبلوماسية المصرية خلال المباحثات اللاحقة وضرورة الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بما في ذلك حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة، بالإضافة إلى العودة إلى حدود ما قبل عام 1967وكانت مباحثات كامب ديفيد ورقة عمل كأساس للوصول بأزمة الشرق الأوسط إلى اتفاق يضمن الحل الشامل العادل ويشمل كافة أطراف النزاع العربي الإسرائيلي.

وقد تبلور الموقف المصري في شكل مشروع متكامل للسلام العربي الإسرائيلي، كما يلي:

* الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة، وإزالة المستوطنات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة طبقا لجدول زمني.

* معاهدة ضمان الأمن والسيادة والسلام الإقليمي والاستقلال السياسي لكل دولة عن طريق ترتيبات تشمل إقامة مناطق منزوعة السلاح ومناطق محدودة ،التسليح ووضع قوات تابعة للأمم المتحدة على جانبي الحدود وتحديد نوع الأسلحة التي تحصل عليها الدول الأطراف ونظم التسليح فيها، وانضمام جميع الأطراف إلى انتشار الأسلحة النووية، وتطبيق مبدأ المرور البحري على الملاحة في مضايق تيران، وإقامة علاقات سلام وحسن جوار وتعاون بين الأطراف.

* عدم جواز اللجوء إلى التهديد بالقوة أو استخدامها في تسوية المنازعات فيها بالوسائل السلمية.

* إلغاء الحكومة العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية وغزة بمجرد توقيع معاهدة السلام وانتقال السلطة إلى الجانب العربي.

* انسحاب إسرائيل من القدس إلى خط الهدنة حسب اتفاقية 1949 وطبقا لمبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأرض بالقوة وعودة السيادة والإدارة العربية إلى القدس العربية.

* إقامة علاقات طبيعية بين الأطراف بالتوازي الزمني مع الانسحاب الإسرائيلي.

* اشتراك ممثلي الشعب الفلسطيني في مباحثات السلام وإبرام معاهدات السلام خلال ثلاثة أشهر من تاريخ التوقيع على إعلان المبادئ.

* اشتراك الولايات المتحدة في المحادثات المتعلقة بكيفية تنفيذ الاتفاقيات

– معاهدة السلام المصرية / الإسرائيلية عام 1979: مهدت مباحثات كامب ديفيد الطريق للاتفاق وتوقيع معاهدة السلام في 26 مارس 1979، والتي ضمت إطار الحل الشامل وإقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، ونصت على “إن حكومة جمهورية مصر العربية وحكومة دولة إسرائيل اقتناعا منهما بالضرورة الماسة لإقامة سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط وفقا لقراري مجلس الأمن رقم 242 و 338، تؤكدان من جديد التزامهما بإطار السلام في الشرق الأوسط المتفق عليه في كامب ديفيد في سبتمبر 1978”.

وهذا الإطار قصد به أن يكون أساسا للسلام ليس فقط بين مصر وإسرائيل فحسب، بل بين إسرائيل وأي من جيرانها العرب كل فيما يخصه ممن يكون على استعداد للتفاوض من أجل السلام معها على هذا الأساس.

مثلت هذه الاتفاقية أول اعتراف من طرف بلد عربي بإسرائيل، وكانت المحادثات بين الطرفين الأنجح في عملية السلام برمتها، واستمرت المعاهدة وأدت إلى فتحت المجال لاتفاقات سلام عربية أخري تلتها.

وتقر مباحثات كامب ديفيد واتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية على مبدأ إجراء مفاوضات في المستقبل بين إسرائيل وأي دولة مجاورة مستعدة للتفاوض بشأن السلام كشرط لتنفيذ بنود ومبادئ قراري مجلس الأمن 242 و 338 وأن السلام يتطلب احترام السيادة والوحدة الإقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة وحقها فى العيش فى سلام داخل حدود آمنة ومعترف بها، وأن التقدم في هذا الاتجاه يمكن أن يسرع بالتحرك نحو عصر جديد من التصالح فى الشرق الأوسط، يتسم بالتعاون على تنمية التطور الاقتصادي، والحفاظ على الاستقرار والأمن، ثم تنتقل الاتفاقية الأولى إلى وضع المبادئ التي تم الاتفاق عليها لحل المشكلة الفلسطينية على ثلاث مراحل، المرحلة الأولى: نقل السلطة إلى الفلسطينيين في الضفة وغزة، لإقامة سلطة حكم ذاتى لمدة لا تتجاوز خمس سنوات، أما المرحلة الثانية فيجرى فيها التفاوض على الوضع النهائي للضفة وغزة على أن يعارف الحل الناتج عن المفاوضات بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، أما المرحلة الثالثة فهى مرحلة تنفيذ الاتفاق النهائي.

وفي فبراير 1981، دعا الرئيس “السادات” الفلسطينيين والإسرائيليين إلى الاعتراف المتبادل وهو أول من نادى بهذه الفكرة خلال جولته في الدول الأوروبية التي أقرتها بالدعوة إلى إقامة حكومة فلسطينية مؤقتة لتبادل الاعتراف مع إسرائيل.

– مبارك والأرض مقابل السلام

خلال فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك شهدت القضية الفسيطينية تطورات كثيرة وحادة ونتيجة ذلك تطورت مواقف وأدوار مصر لتحقيق الاستقرار في هذه المنطقة الملتهبة من حدود مصر الشرقية.

وكانت البداية مع سحب السفير المصري من إسرائيل بعد وقوع مجزرة صبرا وشاتيلا 1982.

وفي ديسمبر عام 1988، نتيجة لجهود مكثفة شاركت مصر فيها صدر أول قرار أمريكي بفتح الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية ليفتح الباب بذلك أمام مرحلة جديدة من جهود السلام.

وتزامنا مع خوض مصر لمعركتها الأخيرة لاسترداد طابا أخر قطعة أرض في سيناء عام 1989، بدأت التمهيد لإستعادة الحق الفلسطيني حيث طرح الرئيس مبارك في يونيو عام 1989 خطته للسلام، طبقا لقراري مجلس الأمن رقم ” 242″، ورقم “338” ومبدأ الأرض مقابل السلام، مع وقف جميع الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية.

وكانت هذه الخطة بداية الطريق لاتفاقيات أوسلو وفي 25 أكتوبر من نفس العام أبدت مصر ترحيها بمبادرة وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر، ذات النقاط الخمس والتي أكدت ضرورة إجراء حوار فلسطيني إسرائيلي كخطوة أولي باتجاه السلام في المنطقة.

* مؤتمر مدريد للسلام 1991: رعى المؤتمر كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، وسعي المؤتمر لاستلهام معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، لتشجيع البلدان العربية الأخرى على توقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وأدي المؤتمر في نهاية المطاف إلى إبرام معاهد سلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994 وابرام اتفاقية أسلو بين فلسطين وإسرائيل عام 1993، في حين تعثرت محادثات السلام بين إسرائيل وسوريا ولبنان بسبب النزاع على الاراضي المحتلة منذ عام 1967.

* اتفاقية وادي عربة 26 أكتوبر 1994

أبرمت اتفاقية السلام العربية الثانية بين إسرائيل والأردن تحت مسمى اتفاقية “وادي عربة”، نسبة لاسم المكان الذي تم توقيع الاتفاقية فيه على الحدود الأردنية الإسرائيلية ، وقعت من قبل كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، ورئيس الوزراء الأردني الأسبق عبد السلام المجالي، بحضور الملك الأردني السابق الحسين بن طلال، ورئيس الوزراء الأسبق عيزرا وايزمان، وتم الاتفاق تحت إشراف الرئيس الأمريكي بيل كلينتون.

وتنص ديباجة اتفاقية وادي عربة على تحقيق سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط على أساس قراري مجلس الأمن رقمي 242 و338 بكل جوانبهما، وتحديد حدود البلدين وفق زمن الانتداب البريطاني باستثناء أراضي الباقورة والغمر، التي منحت الاتفاقية إسرائيل حق الانتفاع بهما لمدة 25 عاما، وعقب انتهاء المدة عام 2019 عادت الأراضي للسيادة الأردنية بالكامل.

وتضمنت الاتفاقية في موادها الـ 14 تطبيعا كاملا بين البلدين، يشمل فتح سفارة إسرائيلية في الأردن وأردنية في إسرائيل، ومنح تأشيرات زيارة السياح وفتح خطوط جوية بين البلدين، وعدم استخدام أي منهما لدعاية معادية في حق الدولة الأخرى، والتعاون في الملفات الأمنية والإرهاب أو أي عمليات مسلحة على حدود الدولتين والتعاون الاقتصادي بين البلدين، والانفتاح في المجالات الثقافية والعلمية.

كما منحت الأردن أفضلية الإشراف على الأماكن المقدسة بمدينة القدس والتعاون في ملف اللاجئين والنازحين من أجل العمل على توطينهم، والسماح لمواطني البلدين بحرية التنقل في أراضي البلد الآخر، ومرور سفن كل منهما في المياه الاقليمية للطرف الآخر.

* اتفاقات أوسلو 13 سبتمبر 1993

شاركت مصر في التوقيع على اتفاق أوسلو الذي توصل إليه الجانبان الفلسطيني وإسرائيل، وجاء هذا الاتفاق الذي عقد برعاية أمريكية بعد اعتراف متبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومفاوضات شهدتها مدينة أوسلو النرويجية، وتنص على أن هدف المفاوضات بين الجانب الإسرائيلي والفلسطيني هو تشكيل سلطة فلسطينية انتقالية منتخبة لمرحلة انتقالية لا تتجاوز 5 سنوات، تؤدي إلى تسوية دائمة، تقوم على أساس قراري مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967 ، ورقم 338 لعام 1973.

وبموجب اتفاقات أوسلو التي تألفت من 17 مادة واربعة ملاحق، تم إعلان تقسيم المناطق الفلسطينية التي احتلت عام 1967 إداريا وأمنيا إلى مناطق “أ، “ب”، و”ج”، لكن القدس وقضايا الحدود واللاجئين والاستيطان، لم تدخل في تلك الاتفاقات، حيث نص على تأجيلها كلها إلى ما أطلق عليه “مفاوضات الحل النهائي”.

وفي عام 1994 رافق الرئيس الراحل حسني مبارك الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات داخل قطاع غزة بالانسحاب الإسرائيلي من المدن الكبرى في الضفة الغربية.

* اتفاقية طابا “أوسلو 2

وقعت بمدينة طابا في 28 سبتمبر عام 1995 واعتبرت بمثابة المرحلة الثانية من اتفاقية أوسلو الأولى التي تنص على انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية إذ تعهدت إسرائيل بالانسحاب من 6 مدن رئيسة و 400 قرية بداية من عام 1996، وانتخاب 82 عضوا للمجلس التشريعي والإفراج عن المعتقلين في السجون الإسرائيلية.

وتضمن الاتفاق 7 برتوكولات بشأن “إعادة الانتشار والترتنبات الأمنية، وعقد الانتخابات، وتنظيم الشؤون المدنية، وتنظيم الشؤون القانونية والعلاقات الاقتصادية وبرامج التعاون الإسرائيلى الفلسطينى والإفراج عن السجناء الفلسطينيين مع الإشارة إلى أن هذا الاتفاق يبطل ويحل محل اتفاق غزة أريحا الموقع في القاهرة في 5 مايو 1994، واتفاق نقل الصلاحيات المبكر الموقع في أغسطس 1994، واتفاق النقل الإضافي للصلاحيات الموقع في القاهرة في أغسطس 1995.

في يناير 1997 ونتيجة للجهود المصرية، تم التوقيع على اتفاق الخليل حول الإطار العام للترتيبات الأمنية في مدينة الخليل والمراحل التالية من إعادة الانتشار، وفي 27 مايو، عقدت قمة شرم الشيخ بين الرئيس مبارك وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بهدف تحريك عملية السلام وبحث السبل الكفيلة لإزالة العقبات التي تعترض استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين.

في ديسمبر 1997، شاركت مصر في المبادرة التي تقدمت بها المجموعة العربية إلى الأمم المتحدة والتي تقضي برفع التمثيل الفلسطيني لدى الأمم المتحدة من صفة مراقب إلى مكانة شبه دولة وفي مايو 1998، طرحت المبادرة المصرية الفرنسية حيث وجه الرئيسان “مبارك” و”شيراك” دعوتهما إلى عقد مؤتمر دولي لإنقاذ عملية السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وإيجاد آلية جديدة تضمن تنفيذ هذه الاتفاقات وفقًا لمؤتمر مدريد التي تقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام.

* مفاوضات كامب ديفيد يوليو 2000 سعى من خلالها الرئيس كلينتون إلى معالجة ملفات الوضع النهائي بما في ذلك مشكلة الحدود ووضع القدس واللاجئين التي لم تشملها اتفاقية أوسلو، لكن هذه المساعي لم تنته لاتفاق معين، وأدى فشل محادثات كامب ديفيد إلى استئناف الانتفاضة الفلسطينية.

وفي يونيو 2002، اقترح الرئيس مبارك أن يتم إعلان إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في عام 2003 ومناقشة القضايا الشائكة مثل القدس والمستوطنات واللاجئين والحدود والمياه، ووضع قرار مجلس رقم 1397 موضع التنفيذ، والذي يدعو للمرة الأولى إلى ضرورة قيام دولة فلسطينية بجانب إسرائيل.

* مبادرة السلام العربية عام 2002 تبنت الدول العربية في القمة العربية ببيروت المبادرة السعودية التي أكدت رغبة الأمة العربية في وضع حد لهذا النزاع، ونصت المبادرة على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود عام 1967، والسماح بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، تكون عاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل القضية اللاجئين وفي المقابل، تعترف الدول العربية بإسرائيل وتطبع العلاقات معها.

واستمرت مصر وفقا لعقيدة إرساء السلام كخيار استراتيجي في لعب دورها لحفظ الاستقرار والأمن حيث لعبت دورا بارزا في الترتيب عربيا لقمة استئناف مفاوضات السلام عام 2007 “قمة أنابوليس” بالولايات المتحدة، والتي صدر عنها بيان مشترك بين القادة الإسرائيليين والفلسطينيين دعا إلى الانخراط في المفاوضات بهدف التوصل إلى اتفاق سلام كامل بحلول نهاية 2008.

واتفق الطرفان على أن تطبيق بنود السلام ينبغي أن تسبقه إجراءات بناء الثقة المنصوص عليها في خارطة الطريق وجرت اجتماعات منتظمة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس، لكنها توقفت فجأة عندما بدأ الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة في أواخر 2008.

وفي يناير عام 2009، عقدت مصر قمة دولية طارئة في مدينة شرم الشيخ لبحث التهدئة وإحياء عملية السلام، عقب العدوان الإسرائيلي على غزة، وشارك فيها قادة أوروبيون وعرب، وممثلو الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وغاب عنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

وفي فبراير 2009، عقب تولي الرئيس بارك أوباما منصبه، أكد الرئيس الراحل “مبارك” لنظيره الأمريكي ضرورة الإسراع في حل القضية الفلسطينية لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، لتنعم المنطقة بالسلام وتتخلص من الإرهاب.

ودعا مبارك رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو إلى إجراء مفاوضات حول الحدود النهائية للدولة الفلسطينية لتمهيد الطريق للاتفاق على قضايا الوضع النهائي في إطار زمني محدد في إطار عملية سلام حقيقية، وحث إسرائيل على وقف جميع محاولات تهويد القدس لتداعياتها الخطرة على جهود السلام نظرا لحساسية مسألة القدس في العالمين العربي والإسلامي، هذا إلى جانب وقف تحركات إسرائيل لتغيير ديموجرافيا الأراضي الفلسطينية المحتلة بزيادة المستوطنات الإسرائيلية.

– ثورة 30 يونيو والقضية الفلسطينية

بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي.. ظلت القضية الفلسطينية قضية مركزية بالنسبة لمصر ومنذ عام 2014 وضعت القيادة السياسية القضية الفلسطينية على رأس أولويات السياسة الخارجية المصرية، بوصفها أول دائرة من دوائر سياستها الخارجية وأحد محددات الأمن القومي المباشر.

وتعددت الزيارات واللقاءات بين الرئيس السيسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس لدعم السلطة الفلسطينية وترتيب البيت الفلسطيني من الداخل من خلال مسار الانتخابات العامة والرئاسية الفلسطينية.

وفي عام 2017 .. وقعت حركتا فتح وحماس على اتفاق إنهاء الانقسام برعاية مصرية.

واستضافت مصر اجتماعات عديدة للفصائل الفلسطينية مثلت نقاط تنشيط لمفاوضات السلام بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني ونجحت مصر في جميع الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة في احتواء الوضع وتحقيق الهدنة بين الطرفين، ووقف إطلاق النار وإعادة الهدوء الأمني لقطاع غزة.

وبذلت مصر العديد من الجهود لوقف إطلاق النار لتجنب المزيد من العنف وحقن دماء المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني الذين يدفعون ثمن مواجهات عسكرية لا ذنب لهم فيها.

وبجانب إرسال المساعدات والقوافل الطبية ومحاولة إعادة إعمار غزة بعد كل حرب، وأبرزها تدشين مصر للمبادرة الرئاسية في مايو عام 2021، بمنح 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة.

وفي يوليو عام 2021، أسست مصر لجنة وطنية عليا للإشراف على إعادة إعمار غزة، هذا إلى جانب المساهمة في الحد من أزمة الطاقة في قطاع غزة، فضلا عن توجيه المجتمع المدني المصري لعلاج الجرحى والمصابين.

ليس هذا فحسب، بل جرى العمل على زيادة وقت فتح معبر رفح لاستقبال المرضى والمصابين وعلاجهم في المستشفيات المصرية هذا إلى جانب تسهيل عبورهم للدراسة أو السفر لأداء مناسك الحج والعمرة في محاولة مصرية لرفع المعاناة عن كاهل المواطن الفلسطيني.

وفي 21 أكتوبر 2023 نظمت مصر “قمة القاهرة للسلام” في ضوء تدهور الأوضاع في قطاع غزة وجهود القاهرة لاحتواء التطورات الخطيرة التي تهدد المنطقة بأكملها، وأكد الرئيس السيسي في كلمته على رفض مصر حل القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار، وضرورة قيام المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية بشكل مستدام، وضرورة حل القضية وفق حل الدولتين، ونجحت القمة في إعادة طرح القضية الفلسطينية على مائدة المجتمع الدولي والاهتمام بها في ضوء احتلال التطورات الجارية هناك واهتمام الرأي العام العالمي بها.

وفي أكثر من لقاء للرئيس السيسي على المستويين الإقليمي والدولي، كانت القضية الفلسيطينة حاضرة في خطابات الرئيس السيسي، مؤكدا على عدة محاور وثوابت أساسية بالعقيدة المصرية، أبرزها:

* مواصلة مصر مساعيها الدؤوبة من أجل إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

* لا سبيل لإنهاء الدائرة المفرغة من العنف المزمن إلا بإيجاد حل جذري عادل وشامل للقضية الفلسطينية، يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية يعيش ويتمتع بداخلها الشعب الفلسطيني بكامل حقوقه المشروعة.

* التوصل لتسوية عادلة وشاملة من شأنه أن يدعم استقرار المنطقة ويساهم في الحد من الاضطراب الذي يشهده الشرق الأوسط.

* ضرورة الحفاظ على الثوابت العربية الخاصة بالقضية الفلسطينية.

* التحذير من المخطط الإسرائيلي في التغيير الديموغرافي وتهويد القدس.

 

شاهد أيضاً

مسؤل فلسطينى: حديث رئيسة الوزراء البريطانية عن وعد بلفور وقاحة

قال أمين عام الرئاسة الفلسطينية، الطيب عبد الرحيم، إن تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماى، …